إندماج
الإقتصاد الجزائري في الإقتصاد العالمي
كلية العلوم الإقتصادية وعلوم التسيير
جامعة العقيد الحاج لخضر ـ باتنة ـ
المقدمة:
بداية يمكن القول أن هذا الكوكب الذي نعيش فيه مليء
بالمجاهيل، فهو في غاية من التعقيد والدقة والإتقان. وبقدر ما نجد فيه أوجه
التشابه نجد فيه أوجه الإختلاف أيضا. وبقدر ما ندعي أننا إكتشفنا أسراره وخباياه،
فإن الذي لا يزال مجهولا قد يكون أكبر بكثير مما نعرفه.
ومن البديهي أن الإختلاف من سنن الكون، إذ يجعل
الحياة تتجدد والتنافس يستمر والصراع يشتد، مع ذلك يبقى الأمل في الوصول إلى ما هو
أسمى هو الهدف المنشود للإنسان منذ فجر التاريخ إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وسواء أكان هذا الإختلاف في الظواهر الكونية كالبحار والمحيطات والجبال والصحاري،
أم في الإنسان وما يميزه عن غيره في الشكل والسلوكات والمعتقدات، كلها تجعل الكون
والإنسان مادة خاما لشرائح عريضة من المجتمع البشري. فعندما نشاهد الياباني يقوم
بحركات إيمائية نابعة من ثقافته وتاريخه رغم تقدمه في المجالات المادية والتقنية،
وعندما نلاحظ الإفريقي في أدغال القارة السمراء يقوم برقصاته ويطلق نغماته
المتميزة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أننا أدركنا حقيقة شعوب هذه المناطق للوهلة
الاولى مثلما تتخيلها هي.
وعموما يمكن القول بأنه حيثما وليت وجهك تجد أصنافا
من الثقافات المتباينة من مجتمع إلى آخر، وهذا التباين هو بمثابة عملية جذب لطرف
ما لإستقراء ما للطرف الآخر، وهذا ما يؤدي إلى تفعيل تصورات تتبلور في مخيلة الفرد
ليجسدها في أنشطة متميزة يطلق على البعض منها السياحة. وإذا كانت بعض الدول قد
إهتدت إلى السياحة كوسيلة لتحقيق غايات نبيلة وطورتها وجنت من ثمارها، فإن البعض
الآخر، ومنها الجزائر لا زالت مترددة. ولئن كان لهذا التردد ما يبرره خلال العقود
الماضية، فإن الإستمرارية في تجاهل هذا القطاع قد يعد بمثابة تجني عن المقدرات
الوطنية التي بواستطها يمكن فتح نوافذ شتى على العالم الخارجي والإستفادة منه.
وفي ورقة البحث هذه سيتم إزاحة اللثام على الوضع
السياحي في الجزائر من حيث واقعه وآفاقه، محاولا الإجابة على الأسئلة التالية: هل
للجزائر سياسة سياحية واضحة المعالم؟ أو ليست السياحة قطاع لا يقل أهمية عن غيره
من القطاعات الإقتصادية الاخرى ومن ثم يمكن الإعتماد عليه لضمان موطئ قدم على هذه
المعمورة؟ وكيف يمكن ترسيخ الثقافة السياحية شبه الغائبة في بلادنا لضمان فعالية
هذا القطاع؟ وفي هذا السياق ينبغي التعرض لمحاور أساسية، منها: مفهوم السياحة
والشروط الواجب توفرها، ثم أنواع السياحة وأهميتها، وفي الختام سيتم تحديد بعض
الضوابط الواجب تبنيها لإرساء ثقافة سياحية ناجعة.
المعالم
السياحية في الجزائر:
تتوفر الجزائر على إمكانات سياحية عظيمة، إلا أن
عدم الإهتمام بها خلال مسارها التنموي حال دون الإستفادة منها والتعرف على
مكنوناتها محليا ودوليا. فبالإضافة إلى تنوع التضاريس من الشريط الساحلي إلى
المرتفعات الداخلية إلى الصحراء الشاسعة، وما تزخر به كل منطقة من معالم سياحية
متنوعة، فللجزائر تراث تاريخي عريق إستطاع أن يتحدى تعاقب الاحقاب كالكهوف والأضرحة والرسوم على الصخور والتي تعود إلى عهود ما
قبل التاريخ.وعندما دخل الرومان الجزائر شيدوا مدنا في شكل
حاميات لا زالت تحتفظ بإبداعاتهم في الفن المعماري والتطور الثقافي، من ذلك مثلا
آثار تيمقاد (باتنة)، جميلة (سطيف)، قالمة، تبسة، شرشال وتيبازة. كما تتوفر
الجزائر على آثار إسلامية تعود جميعها إلى الفترة السابقة لدخول الإستدمار الفرنسي
الجزائر، وتتجلى في المساجد والأبراج والقلاع والقصور والزوايا والقبب، وكلها تعتبر آية في الفن المعماري
الإسلامي ومعالم ذات أبعاد حضارية. وتبدو الصناعات التقليدية كالزرابي والمنتجات
الجلدية والنقوش النحاسية كأهم الحرف الواسعة الإنتشار في المدن كالجزائر وقسنطينة
وتلمسان.
مفهوم
السياحة:
كانت النظرة إلى السياحة تقتصر على السفر إلى أماكن
معينة من أجل الراحة والإستجمام أو أداء الفرائض الدينية في البلد نفسه أو خارجه.
إلا أن التطورات السريعة والمتلاحقة في المجتمع الدولي المعاصر أدت إلى إحداث
تغيرات جذرية في تصور السياحة ومن ثم في مفهومها. ومن هذا المنطلق لم تعد الشعوب
المتحضرة تنفق أموالها في أماكن أخرى من أجل اللهو وضياع الوقت، وإنما تفعل ذلك
لتحقيق غايات أخرى تتمثل في الوقوف على حقائق هذا الكون والتأمل فيما أبدعه الخالق
من لوحات فنية يقف أمامها المخلوق عاجزا عن فك ألغازها. كما تتمثل هذه الغايات في
التعرف على الكنوز الثقافية التي تراكمت عبر السنين، ومحاولة إدراك أكبر قدر من
الجوانب المتعلقة بحياة المجتمعات البشرية من حيث الفن والسلوك والتفكير
والمعتقدات.
وفي حقيقة الامر فإن ما تطالعنا
به الوسائل السمعية البصرية من أشرطة حول غابات الامازون والقطبين المتجمدين
الشمالي والجنوبي، وأدغال إفريقيا عن الحيوانات المفترسة والطيور المتنوعة
والزواحف المرعبة والأسماك البديعة حينا والمثيرة أحيانا أخرى، معظمها مسجلة من
طرف سياح باحثين و/أو مغامرين في نفس الوقت. وبينماهم يفعلون ذلك تجدهم يشعرون
بنشوة وراحة نفسية بسبب ملاحظاتهم واكتشافاتهم لهذه الكائنات العجيبة. ومن هذا
المنظور أصبح مفهوم السياحة يعني الترفيه عن النفس بتوظيف العقل بدل تغييبه وإزالة
اللبس عن المجاهيل بدل العمل على ديمومة التعتيم عليها، وتعني المغامرة من أجل المتعة
والإكتشاف.
الشروط
الواجب توفرها لترقية السياحة: تتطلب السياحة توفير شروط معينة
وظروف ملائمة تجعل السائح يشعر بتحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي رسمها في
مخيلته. ومن هذه الشروط ما يلي:
1- الهياكل السياحية:
تعتبر الهياكل السياحية من
الأولويات التي لا غنى عنها لترقية السياحة وتطويرها وجعل الإستفادة من عائداتها
أمرا ممكنا. وانطلاقا مما هو معمول به في بعض الدول كالولايات المتحدة الأمريكية
مثلا، يمكن تقسيم هذه الهياكل إلى نوعين متمايزين:
النوع
الأول، ويتمثل في سلاسل من الفنادق السياحية الضخمة وما يتبعها من تجهيزات ووسائل
النقل والإتصال ومرافق رياضية وترفيهية. إن هذه الهياكل ونظرا لضخامتها وارتفاع
تكاليف إنشائها تتواجد في المدن الحضرية ذات الكثافة السكانية لإمكانية التوافد
عليها من طرف أكبر قدر من الزوار الأثرياء ورجال المال والأعمال المحليين
والاجانب. ويمكن أن تستقطب هذه الهياكل أيضا شرائح أوسع من السياح ومن مختلف
الطبقات الإجتماعية متى كانت تكاليف الإستعمال مناسبة.
أما النوع الثاني، فيتمثل في
الهياكل الأقل تكلفة من حيث الإنشاء مثل الموتيلات أومساكن منفصلة يراعى في تصاميم
بنائها خفض التكاليف ومن ثم جذب السائح للإستفادة منها بأسعار تتماشى مع دخله.
وهذه الأسعار لا تكون على حساب نوعية الخدمات المشار إليها في النوع الأول. وفي
الجزائر وبالرغم من إمكانية إنشاء مثل هذه الهياكل في مناطق مختلفة من الجزائر،
فإنها تتلاءم أكثر مع المناطق الداخلية حيث يقل السكان وتتسع دائرة ذوي الدخل
المتدني والمتوسط والذين لا يقدرون على دفع مبالغ قد تبدو في نظرهم تعجيزية في
الهياكل السياحية الضخمة. وعموما إذا ما تم التجاوب مع هذين النوعين فذاك يعني
تلبية رغبات المواطنين من مستويات مختلفة ليتمكن كل سائح من إيجاد ما يناسبه.
2- الأمن:
من المتعارف عليه أن السائح
يحتاج إلى ضمان أمنه وسلامة جسده وأمتعته من أي مساس مادي أو معنوي سواء أكان
صادرا من طرف القائمين على تسيير المرفق السياحي أو من عامة الناس. ولكي يزدهر
النشاط السياحي يتطلب توافر الأمن بمفهومه الواسع ليتجنب أشياء مثل الحوادث
والأمراض المعدية والكوارث الطبيعية. إن أي إخلال بهذا الشرط سيؤدي حتما إلى إلحاق
أضرار مادية ومعنوية بليغة بالسياحة كتقليص مدة الإقامة المقررة سلفا أو عدم
الرجوع إلى هذا المرفق ثانية أو اللجوء إلى الإنتقام بإعطاء صورة مشوهة لأقربائه
والمتعاملين معه. وهكذا تطعن السياحة بطرق مباشرة وغير مباشرة.
إن توفير الأمن واحترام السائح
يستوجب التزود بقدر كبير من الثقافة السياحية، ومتى توفرت هذه الأخيرة، فإن أي فرد
وفي أي موقع سيكون واعيا كل الوعي بالنتائج السلبية التي ستنجم عن سلوكه تجاه
السياح المحليين والأجانب سواء تجسد هذا السلوك في القول أو الفعل. إن التعامل
بالإنفعال مثلا أو إخفاء المفقودات أو محاولة إبتزاز السائح أو التحايل عليه، كلها
تعتبر من المظاهر الممقوتة ومن الرواسب المتخلفة التي يجب الحيلولة دون وقوعها إذا
ما أريد أن تتطور السياحة وتعاد لها الحيوية.
3- الخدمات:
وتتمثل في كل ما يعرض للسائح من
حيث نوعية الإقامة والحرص على النظافة وتوفير المياه والنقل وتنوع الأكل وملاءمته
من ناحية الكم والكيف والسعر. إذ ليس من المرغوب فيه أن تعرض هذه الخدمات مقابل
تكاليف باهضة فتدفع السائح بالشعور بالغبن والإستياء. وثمة أنواع أخرى من خدمات التي
تترك آثارا إيجابية لدى السائح مثل: الهاتف والتلفاز والطوابع والبطاقات البريدية
والمنتجات التقليدية وأماكن ممارسة الألعاب الرياضية ككرة السلة والتينس وكرة
الطاولة، وكلها ذات تكاليف محدودة إلا أن مردوديتها في جانبها السيكولوجي على
السائح عظيمة. وهكذا يحس السائح بأنه يتحصل فعلا على منافع مقابل ما يدفعه من
أموال.
أنواع
السياحة في الجزائر:
بعد هذا العرض الوجيز للشروط
الواجب توفرها في تطوير السياحة، ينبغي التمييز بين ثلاثة أصناف من السياحة في
الجزائر، وهي: السياحة الساحلية، السياحة الجبلية، والسياحة الصحراوية. وفضلا عن
هذه الأصناف الثلاثة يمكن الإشارة إلى صنف رابع وهو سياحة الحمامات المعدنية حيث
يوجد أزيد من 202 منبعا تتميز غالبيتها بالخاصية العلاجية.(5)
ولكل نوع من هذه الأنواع خصائصه ونكهته التي لن يجدها السائح في الأنواع الأخرى.
وفيما يلي سيتم عرض الأنواع الثلاثة الأولى بإيجاز.
1- السياحة الساحلية:
من المعروف أن الساحل الجزائري
يمتد على طول 1200 كلم، تتخلله شواطئ بديعة، وغابات أخاذة، وسلاسل جبلية ذات مناظر
ساحرة على طول الشريط الساحلي. وبالرغم من إنتشار الهياكل السياحية في المناطق
الساحلية، إلا أن فاعليتها لا تزال دون المستوى المطلوب، وذلك لأسباب عديدة أهمها
غياب الرؤية الواضحة تجاه السياحة في الجزائر، وغياب المنافسة، وتهميش القطاع
الخاص وقلة الإعتمادات المالية المخصصة لهذا القطاع. ولكي تحقق هذه الأخيرة
الأهداف المرجوة منها لا بد من توفير وتحسين الظروف التي تتلاءم مع طبيعة المنطقة،
منها:
-
الحفاظ على نظافة الشواطئ وإشعار السياح
بمراعاة ذلك عن طريق بث الوعي بواسطة النشريات المختصرة والواضحة وبلغات متعددة.
-
الحيلولة دون حدوث سلوكات منافية للأداب
العامة من السياح ومن عامة الناس.
-
إنشاء مساكن سياحية منفردة وعلى نسق مدروس
بحيث تتناسب مع السياحة الفردية والعائلية وبكيفية يمكن التحكم في تسييرها وتوفير
الأمن فيها. إنشاء ملاعب للرياضات الأكثر جذبا للسائح
وتوفير القوارب الفردية والجماعية والتجهيزات الخاصة بالسباحة والغوص كأدوات
للتسلية ومصادر للدخل.
توفير وجبات غذائية خفيفة وكاملة وفقا
للمقاييس المعمول بها دوليا وذلك بالتنسيق مع منظمة السياحة العالمية والمنظمات
القارية والجهوية المتخصصة.
- توفير محلات تجارية تعرض كل ما قد يحتاج
إليه السائح خاصة الصناعات التقليدية. وعموما إذا ما تم توفير مثل هذه الأشياء
سيجد كل سائح وطني أو أجنبي ضالته وهوايته المفضلة، وفي نفس الوقت لن يجد الملل
طريقا إليه.
2- السياحة الجبلية:
إذا كانت السياحة الساحلية قادرة
على جذب أعداد معتبرة من السياح، فإن الأمر يختلف بالنسبة للسياحة الجبلية، خاصة
في الظروف الامنية الراهنة. ومهما كان الأمر، فإن الأمل في الإستقرار وعودة السلم
قائما. ومن هنا فإن التفكير في وضع إستراتيجيات للسياحة الجبلية تستوجب أن تكون
اليوم وليس غدا. فالعالم يتقدم بخطى حثيثة، ومن البلاهة أن نقف حيث نحن!
تحتوي مناطقنا الجبلية على ثروات
سياحية هامة مثل المناظر الطبيعية الخلابة والمغارات والكهوف التي أوجدتها الطبيعة
منذ العصورالجيولوجية الغابرة. وللأسف نقف اليوم غير مبالين بها، وأصبحت النظرة
إلى السياحة الجبلية تكاد تنعدم وتقتصر فقط على التزحلق على الثلج في منطقة تيكجدة
(ولاية البويرة)، وتلاغيلف (ولاية تيزي وزو) والشريعة (ولاية البليدة). وهذا تقزيم
لللسياحة الجبلية لسببين أساسيين: أولهما يتمثل في الواقع المناخي في الجزائر حيث
أن كميات الثلوج المتساقطة محدودة جدا مما يجعل إستغلالها ظرفي، ومن ثم أصبح لزاما
علينا أن نركز على المعالم الدائمة. وثانيهما أنه من الخطأ حصر السياحة الجبلية في
التزحلق فقط، فهناك كهوف ومغارات طبيعية تمتد على مسافات طويلة لا نعرف عنها شيئا
بالرغم من إستفادة أجدادنا القدامى منها واستغلالها المكثف من طرف مجاهدي الثورة
التحريرية بإستعمالها كمستشفيات لعلاج المرضى وأماكن للراحة وإنتاج وتخزين بعض
السلع كالملابس والأحذية والأسلحة.
إن خبايا المناطق الجبلية لا
تقتصر على المغارات والكهوف فحسب وإنما هناك ثروات أخرى لها أهميتها للسائح مثل
الحيوانات المتنوعة والطيور النادرة والينابيع المائية العذبة والتي تتميز
بالبرودة صيفا والفتورة شتاء، وكل هذه تعتبر بمثابة عوامل جذب للسياح إذ تثير فيهم
الفضول والرغبة في إكتشاف المكنونات السياحية التي تتوفر عليها مختلف مناطق
الجزائر.
وفي الواقع، لا تحتاج السياحة
الجبلية إلى إستثمارات ضخمة وهياكل مكلفة، مثلما هو الحال للسياحة الساحلية، وإنما
يكفي أن تحدد المواقع التي لها جاذبيتها للسياح بالاعتماد على الإشهار وتقديم
الأشرطة حول هذه المواقع وضمان سلامة السياح. ومن غير المعقول أن نجد السياح
المحليين يعرفون الكثير عن مرتفعات البيرو وجبال الآلب وقمم هملايا، بينما نجدهم
يجهلون ما في جبال الأوراس وجرجرة والونشريس والهقار.
3- السياحة الصحراوية:
تتوفر الجزائر على صحراء شاسعة
بها كل المقومات الضرورية لإقامة سياحة ناجحة. ومن هذه المكونات واحاتها المنتشرة
عبر أرجائها، ومبانيها المتميزة بهندستها، والسلاسل الجبلية ذات الطبيعة البركانية
في الهقار حيث تتجلى عظمة الطاسيلي الشاهد على الحضارة الراقية والمجسدة في الرسوم
المنقوشة على صخور لا زالت تروي للأجيال المتعاقبة حكايات شيقة وانماط عيش متميزة
للإنسان الترقي(6) في تلك الازمة الضاربة
في أعماق التاريخ. وثمة عامل آخر يلعب دورا حيويا في تنشيط الحركة السياحية
والتظاهرات الثقافية وهو ما يعرف بسفن الصحراء (الجمال) التي تثير حب الفضول في
السائح الغربي لرؤيته و/أو لركوبه.
إن إتساع الصحراء الجزائرية
تستلزم تبني إستراتيجيات تختلف عما يمكن تبنيه في المناطق الشمالية. وإذا كانت
هناك عوامل قد يقع عليها إجماع مثل الهياكل والأمن والخدمات، فإن هناك قضايا أكثر
إلحاحا بالنسبة للسياحة الصحروية أهمها النقل البري والجوي. ولتجاوز هذا المشكل
يستوجب تخصيص إستثمارات كافية لترقية المرافق الضرورية كشق الطرق وتخصيص طائرات
للرحلات الداخلية بين المناطق التي يتوافد عليها السياح، وفتح خطوط دولية مباشرة
لتسهيل تنقل المسافرين من وإلى هذه المناطق.
أهمية
السياحة:
لو لم تكن للسياحة أهميتها ما
كانت لتحتل مكانة متميزة في السياسات التنموية للدول المتقدمة والنامية على
السواء. وفيما يلي سيتم التعرض للأهمية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية للسياحة.
1- الأهمية الإقتصادية:
تعتبر السياحة المفتاح الأساسي
للتدفقات المالية بالنقد الأجنبي للبلد.وفي هذا السياق تشير الأرقام إلى حصول
المغرب على 1.2 مليار دولار من السياحة سنة 1998 وتونس على 1.33 مليار دولار سنة 1997 ومصـر
على 3.8 مليار دولار سنة 1997 وتركيا
على 6 مليار دولار سنة 1996 وتحصل
بريطانيا على 9 مليار دولار سنويا من السياح العرب فقط. ولم تأت هذه المبالغ الضخمة بطريقة
عفوية وإنما جاءت كثمرة جهود مستمرة في تشجيع الإستثمار السياحي وفي ترسيخ الثقافة
السياحية في هذه المجتمعات.
ومن هنا يتضح الدور الحيوي
للسياحة في دفع عجلة التنمية الإقتصادية، إذ تشكل موردا هاما للعديد من الدول في
العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا، إسبانيا، فرنسا، بريطانيا ومصر
والهند وغيرها. ويمكن القول أن السياحة أخذت بعين الإعتبار من طرف صانعي القرار
السياسي في معظم الدول النامية منذ النصف الثاني من القرن الماضي. إلا أن النجاح
لم يكن حليف كل الدول في إستقطاب أكبر عدد من السياح من الدول المتقدمة.
ويعود الإهتمام بالسياحة إلى
عامل أساسي وهو توفير إحدى الطرق السهلة والسريعة للحصول على النقد الأجنبي مقابل
الخدمات التي تعرض للسياح الأجانب. إضافة إلى هذا تعمل السياحة أيضا على توفير
النقد المحلي للخزينة العمومية لإنفاقها في مجالات ذات النفع العام. وتساهم في
تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية كالصناعة والنقل والمواصلات.
وبالرجوع إلى الأرقام التي
قدمتها منظمة السياحة العالمية The World Tourist Organization، فإن هناك حوالي 60 مليون سائح من العالم
المتقدم يزورون الدول النامية كل سنة. أما العدد الإجمالي للسياح في العالم فقد
قدرتها بـ 450 مليون سائح سنة 1990، وفي سنة 1997 وصل العدد إلى 613 مليون شخص،
وتتوقع أن يرتفع الرقم إلى 650 مليون سائح سنة 2000 وإلى مليار سائح سنة 2010 وإلى
1.6 مليار سائح سنة 2020 وإنفاق أزيد من 2000 مليار دولار. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: ماذا تعني
هذه الأرقام؟ وما نصيب الجزائر منها؟ إنها ببساطة إشارة واضحة إلى أن الكثير من
المطارات ستشيد وعدد أكبر من الطائرات ستكون في الإستعمال، وأعداد معتبرة من
الفنادق سيتم تشييدها. وكل
هذا لن يكون إلا في الدول التي لها القدرة على جذب أعداد كبيرة من السياح إليها.
ومن ناحية أخرى، فإن هذا القطاع ستزداد حيوته وسيدر مبالغ مالية هامة على الدول
التي أدركت أهمية هذا القطاع وطورته.
وإذا حاولنا إستقراء مدى مساهمة
السياحة في التنمية الإقتصادية في الجزائر، فإن أول ما يصطدم به المرء هو ضعف هذا
القطاع من حيث المردودية الإقتصادية ومن حيث الهياكل المتنوعة أيضا. فقد تم تهميشه
من طرف الحكومات المتعاقبة. وهنا تشيرالأرقام إلى أن عدد السياح الوافدين للجزائر
سنة 1992 قدر بـ 1119548 ليتراجع إلى 604968 سنة 1996. وبسبب عدم الإستقرار السياسي والتدمير
الذاتي الذي تعرضـت له البلاد منذ 1992 إنخفض عدد السيـاح بشكل مذهل ليصـل 94832
سنـة 1997. وبالمـوازاة مع ذلك
تقلصـت المداخيـل من 105 مليون دولار سنـة 1990 إلى 20 مليون دولار سنة 1997. وإذا
كانت إحتياجات الجزائر، فيما مضى، أمكن تغطيتها بالإيرادات البترولية، التي تفوق
95% من الإيرادات الكلية، فإن الضرورة تقتضي الإقرار بشيئين: اولا، إن مادة
البترول آيلة للنفاذ. وثانيا، أن البحوث تجرى على قدم وساق لإكتشاف البدائل
للطاقة. وقد نستيقظ في يوم من الأيام على أخبار تجعل مادة البترول غير مرغوب فيها.
فما عسانا أن نفعل بها حينئذ؟ وبأي شيء نطعم أفواه الملايين؟
ولذا فإن المصلحة الوطنية تستوجب
اليوم أكثر من أي وقت مضى الإلتفات إلى هذا القطاع وتثمينه وتطويره وتغيير ما تبقى
من الذهنيات الغريبة عن مجتمعنا والتي تختزل السياحة في الرقص والخمر ونحوهما، أو
كما عبر عنها الدكتور قيصر مصطفى "السياحة ليست وترا وكأسا وإمرأة". ولذا يستوجب أن تحتل الثقافة السياحية
مكانتها اللائقة بها في ضمائر المسؤولين القائمين على القطاع أولا وفي المجتمع
ثانيا، وعندها تكون إمكانية النهوض بها والقضاء على الرداءة واردة، ونستطيع إعادة
القطار إلى سكته. وهكذا ندعم إقتصادنا من السياحة مثلما تتدعم إقتصاديات الدول
الأخرى منها ونوفر أحد الشروط التي بواسطتها تستطيع الجزائر أن تندمج في الإقتصاد
العالمي.
2- الأهمية الإجتماعية:
لا يختلف إثنان في أن التطور الإقتصادي
في أي بلد يؤدي حتما إلى إحداث تطور مماثل في الجانب الإجتماعي، بمعنى أن العلاقة
بين القطاعين طردية. ويفترض أن يساهم القطاع السياحي في توفير النقد الأجنبي
لخزينة البلد ويساهم في نفس الوقت في تخفيف حدة البطالة وتحسين المستوى المعيشي
للمواطنين. وينبثق هذا الطرح من كون السياحة تعتمد على الإستعمال المكثف لليد
العاملة في مختلف الخدمات المتعلقة بالسياحة كالنقل والإسكان والإطعام والإتصال
والبيع ونحوها.
وفي الجزائر تشير الإحصائيات بأن
نسبة المستخدمين في إدارات القطاع السياحي تصل 24%، بينما لا ينبغي أن تتجاوز هذه
النسبة 7% وفقا للمعايير المعمول بها دوليا. يضاف إلى ذلك أن نسبة 50% من
المستخدمين يفتقدون إلى المؤهلات، في الوقت الذي يفترض أن لا تتجاوز هذه النسبة
20%.(20)
3- الأهمية السياسية:
إن السياسة الناجحة هي التي
تنطلق من إستراتيجيات مدروسة وهادفة مما يؤدي في النهاية إلى التجسيد الفعلي
للأهداف المسطرة. وإذا كانت السياحة الناجحة تفعل فعلتها في الميدانين الإقتصادي
والإجتماعي، فإنها من ناحية أخرى قد تحقق أهدافا سياسية إذا ما رغب صانعو القرار
السياسي في ذلك.
ولو تأمل المرء قليلا، فإنه
سيدرك وببساطة أن تنقل الأشخاص ضمن البلد الواحد تفسح المجال واسعا للتعارف
والتحاور وبلورة التصورات الآنية والمستقبلية في مختلف المجالات السياسية
والإقتصادية والإجتماعية. فضلا عن ذلك، فإن الإحتكاك بين أشخاص من جنسيات مختلفة
سيكسبهم لا محالة قدرا كبيرا من الفهم والإدراك والوقوف على ثقافات الآخرين
وعاداتهم ومعتقداتهم ونمط حياتهم. وهذه كلها تعمل على مد الجسور بين شعوب ذات
ثقافات متباينة ليس بين الأفراد فحسب وإنما بين التنظيمات المختلفة والحكومات
أيضا. وهنا تتشكل تصورات تنطلق من معطيات أقرب إلى الحقيقة منها إلى التخمين.
السياحة
والإندماج في الإقتصاد العالمي:
مما سبق يتضح بأن السياحة في
الجزائر لم تحظ بأي قدر من الأهمية. فقد راهنت الجزائر في مسيرتها التنموية خلال
السبعينيات من القرن الماضي على الصناعة التي تم تصورها آنذاك كما لو أنها المهدي
المنتظر الذي سيخلص البلاد من مخالب الفقر والتخلف. إلا أن الحقيقة سرعان ما
انكشفت وأصبحت الجزائر تواجه أوضاعا في غاية من الخطورة والتعقيد بل وجدت نفسها في
مستنقع قد يتطلب الخروج منه أجيالا. وفي نفس الوقت إتضح بأن الجزائر أصبحت منطقة
نفوذ للقوى الغربية والفرنسية على وجه التحديد.
إن النهوض بالأوضاع الإقتصادية
تعد ضرورة ملحة ومطلبا لا يمكن الإستهانة به، وأن المصلحة الآنية والمستقبلية في
ظل تزايد هبوب رياح العولمة والإندماج السريع لإقتصاديات العالم تستوجب تجنيد
الإمكانات المادية والبشرية المتاحة لضمان موقع لها على هذا الكوكب. فما هي
البدائل المطروحة أمام الجزائر بعد الإحباط الذي أصابها في تجربتها التنموية وبعد
أن أصبحت سوقا لمختلف أنواع المنتجات الأوروبية وغير الأوروبية؟
لقد وقعت الجزائر على إتفاقية
الشراكة مع الإتحاد الأوروبي وسيكلفها ذلك خسائر لا تقل عن 1.4 مليار دولار مقابل
مساعدات قدرها 700 مليون دولار من الإتحاد الأوروبي. وأن الإنضمام إلى منظمة التجارة
العالمية سيؤدي بها إلى خسائر تتراوح بين 1.5 مليار دولار إلى 2 مليار دولار. وهذا يؤكد هشاشة الإقتصاد الجزائري
وعجزه عن تلبية الإحتياجات المحلية واقتحام الأسواق الدولية المهيمن عليها من طرف
الشركات المتعددة الجنسيات التي تعود ملكيتها إلى الدول الغربية الأقوى إقتصاديا
وتكنولوجيا وإعلاميا وحضاريا.
وفي هذا السياق تشير الأرقام بأن
هناك 11000 شركة عملاقة تدير 82000 شركة فرعية سنة 1975، وارتفع هذا العدد إلى
37000 شركة تدير 207000 شركة فرعية سنة 1990. وهنا قد يتساءل المرء كيف تستطيع الجزائر أن تجد ضالتها في هذا الزخم الكبير من
الهيمنة الغربية في التجارة والمال والأعمال والمعرفة، في وقت لا تملك فيه الميزة
التنافسية في منتجات تستطيع ان توازن بها معاملاتها مع العالم الخارجي. وكل هذا
يستوجب تبني إستراتيجيات مدروسة بعناية للحفاظ على مصلحة البلاد والعباد في عالم
لا يرحم.
ومن البدائل الممكن إستغلالها أو
القشة التي تستطيع الجزائر أن تتمسك بها للتخفيف من متاعبها وضمان تماسكها
واستمراريتها تتمثل في الإلتفات إلى القطاع السياحي وإعطائه الأهمية التي يستحقها.
إنه القطاع الذي يتطلب إستثمارات يمكن التحكم فيها والإستفادة منه في مدد قياسية
إذا ما قورن بالقطاعات الإنتاجية الأخرى شريطة توفير سبل النجاح من إرادة صادقة
واستقرار سياسي وثقافة سياحية.
الخاتمة:
مما سبق يتضح أن للسياحة غايات
من الممكن إدراكها بسهولة. فهي القطاع الأكثر جذبا للإستثمارات الأجنبية المباشرة،
وهي القطاع الذي يمكن أن يسهم في تطوير القطاعات الأخرى. ولذا نرى أن السياحة في
بعض الدول تحتل مكانة مرموقة من بين القطاعات الأخرى في الإقتصاد إنطلاقا مما تدره
من النقد الاجنبي. وفي الحقيقة إذا كما أريد أن تكون للسياحة مكانتها اللائقة بها
في الجزائر، فإن الطريق المؤدية إليها لا تزال في بدايتها، ومع ذلك فالوصول إلى
الهدف ليس مستحيلا إذا تكاثفت الجهود واستمرت. ومن هذا المنطلق نرى من الضروري
تقديم بعض الضوابط الواجب تبنيها لإرساء ثقافة سياحية فعالة، منها:
1-
تسخير وسائل الإعلام للتعريف بالكنوز
السياحية المتنوعة التي تزخر بها بلادنا.
2-
وضع إستراتيجيات سياحية ترتكز على المنطق
وتنبثق من واقع الجزائر وتنفتح على الثقافات السياحية في العالم تأخذ أحسنها وتترك
أسوأها.
3-
إنشاء معاهد متخصصة في السياحة تعمل على
إرساء ثقافة سياحية لدى القائمين على المرافق السياحية المختلفة كل في موقعه ولدى
المواطنين بواسطة الإشهار للتمكن من إستمرارية الجهود وتجسيد الاهداف بتكلفة أقل
وربح أكبر.
4-
صياغة نموذج لكل منطقة من المناطق السياحية،
بحيث ينفرد كل نموذج عن الآخر بما يتلاءم وطبيعة كل منطقة وما تزخربه من إمكانات
سياحية.
5-
إتقان اللغات الأجنبية الأكثر رواجا في
العالم كاللغة الإنجليزية من طرف المرشدين لإمكانية التحاور والتفاهم وتجنب الحرج
الذي قد ينجر عن إستعمال لغة لا يفهمها السائح.
6-
وجوب التحلي باللياقة الأدبية في التعامل مع
السياح، محليين كانوا أم أجانب. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلا بالإختيار الدقيق لأشخاص
إعتمادا على معايير موضوعية.
7-
إعتماد الصدق في الكلمة والتفاني في العمل
والحفاظ على الأمانة والرزانة في التعامل.
وأخيرا يمكن إبداء ملاحظتين
أراهما على قدر من الأهمية:
الملاحظة
الأولى، ينبغي توخي الحذر من بعض السياح إذ قد يكون من بينهم من يمتهن الجوسسة،
ومنهم من يحمل أمراضا فتاكة وعن قصد، ومنهم من ينشر أفكارا هدامة. أما الملاحظة
الثانية فهي أن السياحة كانت وما تزال حساسة أمام ظاهرة العنف المنظم وغير المنظم.
ولعل ما تمر بالجزائر أحسن دليل على ذلك. إلا ان هذا الأمر مع ما ينطوي عليه من
آثار سلبية على مقدرات البلاد وآلام للعباد، فإن ذلك لن يحول دون المضي قدما لوضع
إستراتيجيات مدروسة لتطوير السياحة على أن تسند المهمة إلى ذوي الكفاءات والإرادة
الجادة لتجسيدها إنطلاقا من الإمكانات المادية والبشرية والقيم الحضارية. وأي
تجاوز لهذه المنطلقات سيصبح بمثابة القفز في المجهول